أصدرت المحكمة العليا في بولندا تحذيراً هذا الأسبوع من أن الدولة قد تضطر في النهاية إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي، إذا تابعت الحكومة اليمينية البولندية تغييراتها القضائية المثيرة للجدل. وإذا وافق البرلمان على هذه التغييرات المخطط لها، يخشى النقاد من أنها يمكن أن تتحدى سيادة قانون الاتحاد الأوروبي على القانون الوطني البولندي وتخنق المعارضة الداخلية من قبل القضاء. هذه المقترحات –المقرر مناقشتها في البرلمان هذا الأسبوع– ستجعل من الممكن فصل القضاة إذا لم يوافقوا على الإصلاحات الأوسع نطاقاً التي خضعت للتدقيق الشديد من جانب المعارضة البولندية والمدافعين عن الديمقراطية في جميع أنحاء أوروبا.
وأبرز تحذيرُ المحكمة العليا من التغييرات هذا الأسبوع المخاوف المتزايدةَ بشأن استقلال القضاء البولندي، بعد أكثر من أربع سنوات من تولي «حزب القانون والعدالة» اليميني السلطة. ومنذ فوزها بالانتخابات البرلمانية عام 2015، اتُهِمَت الحكومة البولندية بمتابعة حملة لإسكات النقاد في المجال العام، من وسائل الإعلام العامة إلى المحاكم.
وقال «آدم بودنار»، المفوض البولندي المستقل لحقوق الإنسان، لصحيفة «واشنطن بوست»: يبدو أن بولندا تسعى إلى انتهاج مسار دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي (المجر) حيث يخضع القضاء «إلى حد ما للتبعية السياسية». وأضاف: «تريد الحكومة إزالة أي عقبات قد تشكلها تدخلات الاتحاد الأوروبي».
وأدت إحدى المحاولات صعبة المنال التي قامت بها الحكومة العام الماضي، أي إمداد المحكمة العليا في البلاد بما يصفه النقاد بأنهم أصدقاء موالون للحكومة، إلى مواجهة مع الاتحاد الأوروبي في الخريف الماضي. وفي النهاية قضت أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي بأن قضاة المحكمة العليا الذين أجبرتهم الحكومة على التقاعد يجب أن يستأنفوا عملهم. وجاء الحكم وسط تصاعد الاشتباك بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي والحكومة البولندية بشأن سيادة القانون، وهو أمر أساسي في النقاش الحالي.
كما قضت المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي بأن التغييرات الأخرى في النظام القضائي البولندي غير قانونية، مما أدى إلى رد فعل حكومي عنيف أدى إلى المواجهة الحالية. ولم يرد «حزب القانون والعدالة» الحاكم على طلب للتعليق يوم الأربعاء.
وفي تقييم قضائي لأحدث مقترحات الحكومة، رددت المحكمة العليا البولندية مخاوف الاتحاد الأوروبي في وثيقة بتاريخ يوم الاثنين وتم توزيعها في وقت متأخر من الثلاثاء والأربعاء. وجاء في التقييم الذي ترجمته هيئة الإذاعة البريطانية: «ستؤدي التناقضات بين القانون البولندي وقانون الاتحاد الأوروبي على الأرجح إلى تدخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بانتهاك معاهدات الكتلة الأوروبية، وعلى المدى الطويل ستؤدي إلى الحاجة إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي».
ومن خلال هذا التقييم الذي يرى أن انتهاك بولندا لقانون القضاء الأوروبي سيجبر الأخير على تعليق بعض الحقوق التي تتمتع بها الدولة العضو.
لا توجد دولة عضو في الكتلة الأوروبية تم طردها أو تعليق عضويتها بحكم الواقع. وأي محاولة لتعليق حقوق التصويت الخاصة ببولندا، مثلا، من المرجح أن تواجه اعتراضات من أعضاء آخرين يتعرضون لانتقادات مماثلة من قبل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المجر.
بيد أن هناك طريقتين أخريين لتفسير تحذير المحكمة العليا هذا الأسبوع، كما قال محامون منتقدون للحكومة يوم الأربعاء. وقال بودنار، مفوض حقوق الإنسان، إن تحركات المجر المستمرة ضد المؤسسات الديمقراطية، بينما هي عضو كامل في الاتحاد الأوروبي، أثبتت مدى صعوبة الأمر بالنسبة لمؤسسات الاتحاد فيما يتعلق بممارسة السيطرة على سلوك دوله الأعضاء. ومع ذلك، ربما تجد بولندا نفسها في موقف تواجه فيه خروجها من الاتحاد الأوروبي بشكل قانوني «بوليكست»، وأن تكون معزولة بشكل أساسي عن منصات الاتحاد الأوروبي الرئيسية، إذا مضت قدماً في تنفيذ المقترحات القضائية الحالية. وأضاف بودنار أن «مشروع السوق المشتركة سيكون برمته موضع تساؤل»، في إشارة إلى منطقة تجارة السوق الحرة التي توحد الاتحاد الأوروبي. وإذا أصبحت الأحكام الصادرة من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لا تطبق على بولندا من قبل حكومة البلاد، فإن دخول هذه الدولة إلى السوق يمكن أن يكون موضع شك، أيضاً.
ومن جانبه، قال «مارسين ماتشاك»، وهو محاضر في جامعة وارسو ومنتقد دائم للحكومة، إن التغييرات المقترحة على النظام القضائي البولندي قد تخاطر أيضاً بتغيير الحالة المزاجية في البلاد لصالح منتقدي الاتحاد الأوروبي. وبينما يُنظر إلى الاتحاد بتشكك من قبل قطاعات عريضة من الناخبين البريطانيين، فإن البولنديين من بين أكبر مؤيدي التكتل الأوروبي.
*مدير مكتب صحيفة «واشنطن بوست» في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»